العربي24
خلال فترة وجود الأتراك العثمانيين في الجزائر بين 1504م و1830 (أكثر من ثلاثة قرون)، تزوجوا من جزائريات وأنجبوا منهنّ أبناء وبنات صاروا يُعرفون بـ"الكراغلة".
فمن هم هؤلاء، وما الدور الذي لعبوه في تاريخ الجزائر؟
أول مصاهرة
"الكراغلة" كلمة تركية مفردها "كرغلي"، وهي متكونة من شقين: "قول" و"أوغلي" وتعني "ابن العبد".
تشير الباحثة الجزائرية عائشة غطاس، في كتاب "الحرف والحرفيّون بمدينة الجزائر 1700-1830"، إلى أن "البدايات الأولى لظهور الكراغلة كفئة مستقلة ومتميّزة كان متأخرا إذ تعود إلى سنة 1596م"، أي بعد ثمانين سنة كاملة من دخول الأتراك إلى الجزائر.
وكان الجيش الانكشاري العثماني ممنوعا من الزواج من غير التركيّات، لكن طول فترة مكوث الانكشاريين في الجزائر جعلت مطلب الزواج أمرا حتميا، فسمحت لهم سلطات الباب العالي في الدول العثمانية بالزواج من الجزائريات.
لكن باحثين آخرين يقولون إن الكراغلة وجدوا قبل هذا التاريخ، ويشيرون إلى أنهم ظهروا بداية من سنة 1514م، وكان ذلك بعد زواج القائد العثماني خير الدين من ابنة أحمد بن القاضي، زعيم مملكة كوكو، ونتج عن هذه المصاهرة تدعيم الأواصر بين الأتراك وحكام الجزائر.
أول كرغلي
كان حسن آغا أول كرغلي تعرفه الجزائر، وهو ابن خير الدين وابنة حاكم مملكة كوكو، وتوالت بعدها المصاهرات، أشهرها: زواج الشريف محمد بن أحمد باي من الحاجة رقية بنت بن قانة، وأنجبت له ولدا اسمه أحمد، الذي أصبح فيما بعد بايًا على بايلك الشرق بين سنتي 1826 و1837 وهو المعروف بأحمد باي، وزواج عثمان بن إبراهيم الكردي بالسيّدة فاطمة بنت جان أحمد، وزواجه أيضا من امرأة ثانية أنجبت له ولدين كرغليّين هم: محمد الكبير ومحمد الصغير، واللذين سيحكمان بايلك الغرب.
وتشير إحصائيات إلى أن عدد الكراغلة خلل القرن 17، بلغ في مدينة الجزائر وحدها 2000 كرغلي، حتى وصل عددهم في نهاية القرن 18 في كل من الجزائر وتلمسان حوالي 6 آلاف نسمة، مثلما يذكر الباحث الجزائري في التاريخ العثماني، ناصر الدين سعيدوني في كتابه "النظام المالي الجزائري في الفترة العثمانية 1800-1830".
استقر الكراغلة في كبريات المدن مثل: الجزائر وتلمسان ومعسكر ومستغانم وقلعة بني راشد، وهناك كوّنوا أنفسهم وباتت لهم مكانة اجتماعية وسياسية وعسكرية أيضا.
السلطان يوصي بهم
نفَذ الكراغلة إلى الجيش الانكشاري، وهو أقوى مؤسسة في الدولة العثمانية، استقطبت هذه المؤسسة اهتمام الكراغلة فكوّنوا مع العناصر التركية جيشا تعداده 100 ألف رجل عُرف تاريخيا باسم "الحامية"، وكان أداة فعالة لقمع المتمرّدين ورافضي دفع الضرائب.
في بداية القرن 18، تمكن الكراغلة من الوصول إلى مراتب سامية في المؤسسة العسكرية منها: وكيل الخرج وبلكباشي وأودباش وآغا.
ساهم الكراغلة أيضا في دفع اقتصاد الجزائر، عبر التجارة. ففي مدينة الجزائر كانت لهم دكاكينهم في شارع الديوان المشهور، تميزت بتنوع بضائعها ودقة صناعاتها، ومنها: المحافظ وأدوات الزينة الخاصة بالأسلحة والروائح المستخرجة من الورد والياسمين.
كما مارس الكراغلة مهنا شتى منها: القاوقجية (صناعة الطرابيش)، وتقلدوا مناصب في القطاع المالي، وهذا بعد فرَمان من السلطان العثماني مراد الثاني جاء فيه "يجب تعيين شخص من طائفة قول أوغلو ذي كفاءة في النظام المالي وتنظيم الشؤون الإدارية"، مثلما يذكر كتاب "قانون أسواق مدينة الجزائر 1695-1705".
واستطاع الكراغلة من خلال أدوارهم في شتى مجالات الحياة، زيادة الترابط بين العثمانيين والجزائريين، بحكم أنهم أبناء الطرفين، ما قوّى اندماج الجميع تحت راية بلد واحد.