أخر الاخبار

عندما يتحوّل الفنّ إلى عَفن

 


العربي24 

خلال هذه المقالة، سنحاول استعراض أهم التعريفات التي حدد بها الفلاسفة [الفن] وأنواعه عَسانا نزيل من الأذهان بعض الغموض التي تشوب الفنّ إلى درجة أنّ بعض الجُهلاء يسمّون العفنَ، فنّا، فيما الفنُّ بريء مما ينسبونه إليه ظلمًا وجهلاً؛ فكلّ [شمْكار] صار فنّانًا، وكل داعرة رخيصة لُقِّبتْ بالفنّانة في زمن التّفاهة، وعصْر السّفاهة، وغياب الدّقة في اللغة، فما هو [الفنُّ] يا تُرى، وما هي أنواعُه، ومعانيه عند الفلاسفة والمفكّرين؟ لقد حدّدنا ماهية الثقافة في المقالة الأولى، وبيَّنا أن وزير الثقافة يجهل كلية معنى الثقافة، وفي هذه المقالة سنعطيه درسًا عساه يعْرف ماهية الفنّ، فيُدْرك جهله، ويقدّم استقالته ليدخل التاريخ باعتباره وزيرًا عرف قدْرَه، وأدرك جَهْله، حتى لا يسيء لبلده، ويخطِئ في حقّ مواطنيه، ويأكل سحْتًا وباطلاً أجرًا لا يستحقّه، ويبذر في التفاهات أموال بلدِه، وقد أوردْنا أسماء شخصيات رفضتْ تولّي مهامّ وزير الثقافة، فازدادوا شهرةً عند الناس، فما هو [الفنّ] إذن؟

[الفنّ] بالمعنى العام، هو جملة من القواعد المتّبعة لتحصيل غاية معيّنة جمالاً كانت، أو خيرًا، أو منفعةً. فإذا كانت هذه الغايةُ تحقيق الجمال، سُميَ الفنُّ بالفنِّ الجمِيل؛ وإذا كانت تحقيق الخير، سُمي الفنُّ بفنِّ الأخلاق؛ وإذا كانت تحقيق المنفعة، سُمِّي الفنّ بالصناعة؛ ونحن نسأل عمّا حقّقه مغنّي [الرّاب] الذي استدعاه وزير الثقافة، وأنفَق على مهرجاناتِه (06) ملايير من أموال الشعب، فهل تحقّق جمال، أو خيْر، أو منفعة؟ سؤال نطرحه على السّيد [بنسعيد]، فلْيُجِبْنا عن تساؤُلاتِنا إذا كانت تواتيه الشّجاعة الأدبية.. و[الفنُّ] مقابل للعلم، لأنّ العلمَ نظري، والفنُّ عَملي، ومضادّ للطبيعة من حيث إنّ أفعالها لا تصدُر عن روية وفِكْر، والفرقُ بين الفنِّ والعلم، أنّ غاية الفنّ تحصيلُ الجمال، على حين إنّ غايةَ العلم تحصيلُ الحقيقة؛ فأيّ جمال كان في (گُورنة) [الرّاب] في الرّباط؟

أمّا [الفنُّ] بالمعنى الخاص، فيُطلق على جملة الوسائل التي يَستعملها الإنسانُ لإثارة الشعور بالجمال، كالتّصوير، والنحت، والنقش، والتّزْيين، والعِمارة، والشّعر، والموسيقى وغيرها، وتسمّى بالفنون الجميلة: [Beaux arts]، ومن عادة بعض العلماء أن يقسّموها قسميْن كبيريْن، وهما: الفنون التشكيلية [Arts Plastiques] كالعمارة، والتّصوير، والموسيقى، والرّقص؛ والفرقُ بيْن الأولى والثانية، أنّ جوهر الأولى هو المكان، والسكون، على حين إنّ جوهر الثانية هو الزمان والحركة.. وسواء، أكان الفنُّ تشكيليًا أم إيقاعيًا، فإنّه في كلا الحالين لا يقتصِر على محاكاة الطبيعة، بل يبدّلها بما يضيفه إليها من اختراعات الخيال.. ويُطْلق اصطلاحُ الفنون الحرّة [Arts libéraux] على الفنون السّبعة التي كانت تدرّسُ في المعاهد القديمة كالثُّلاثيات: (قواعد اللغة، والبلاغة، والمنطق)، والرُّباعيات: (الحساب، والهندسة، والفلك، والموسيقى)، وقد سُميت بالفنون الحُرة، لأنّها تعدّ طُلاّبها للمهن الحُرّة..

وإذا استعمل لفظُ الفنّ بصيغة الـمُفرد، دلّ على الحقائق المشتركة بين الأشياء الجميلة، وإذا استُعمل بصيغة الجمع، دلَّ على الوسائل المستعملة للتّعبيرِ الخارجي عنِ الجمال بواسطة الخطوط، أو الألوان، أو الحركات، أو الأصوات، أو الألفاظ، ولكن ليست الألفاظ السّاقطة والخادِشة للحياء التي فاهَ بها فنّانُكَ، مغنّي [الرّاب] الهابط أو الحشّاش الساقِط، أو السِّكير الرّخيص.. والفنُّ عند [هيجَل] ثلاثة أقسام وهي: الفنّ الرّمزي؛ والفنُّ الكلاسيكي؛ والفنّ الرّومانسي.. وللفنّ في كتب الأدبِ تعريفاتٌ وأقسامٌ غير هذه، لا يتّسِع المجال لبحثِها في هذه المقالة.. وهكذا، تبيّن لكَ يا وزيرَ الثّقافة، أنّكَ تجْهَل معنى الثقافة، ولا تعْرِف شيئًا عن معاني الفنّ، وإنّي لَأَتَساءل عن الميزة التي وُجِدَتْ فيكَ حتى وَلَّوْكَ منصِبَ الثّقافة، والصّحافة، والفنّ، وظهر أنّه لا علاقةَ لكَ لا مِنْ بعيدٍ ولا من قريب بهذه الثُّلاثية، فلا أنتَ مُفكِّر له مؤلّفات وألقى محاضرات؛ ولا أنتَ بقلم قرأْنا له عدّةَ مقالات في صحف عديدة؛ ولا أنتَ بفنّان له إبداعات فنّية تشهدُ له في الميدان، فإذا قرأتَ هذه المقالات المركّزة، فنصيحتي لكَ أن تستقيل، فهو خيرٌ لكَ من البقاء على رأس وزارة أنتَ لستَ أهلاً لها، وإلاّ فلنْ يرحمَكَ التّاريخ في الدّنيا وبماذا سَتُجيبُ أمام الله!

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -